التاساداي
- Ahmad Rowainy
- Jun 8, 2023
- 4 min read
مع نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر كانت الثورة الصناعية قد أثمرت الكثير من التحديثات في الصناعة والنقل والتعدين وغيرها من الأنشطة الزراعية والصناعية والاجتماعية، تغيرت طبيعة المهن وتغير المجتمع، اكتسب العلماء المزيد من ثقة الجمهور، ويوما بعد يوم أصبحت سيطرة العلم على حياة الناس وأفكارهم ومعتقداتهم قد بلغت مبلغها.
أصبح الناس يثقون في العلم والعلماء ولا يكذبون لهم خبرًا، وأصبحت الثقة فيهم بلا حدود. وقد أغرت تلك النظرة للعلم والعلماء –منذ وقت مبكر-بعض المحتالين والمخادعين أن يضللوا الناس باسم العلم طمعًا في شهرة أو منصب أو مكسب مادي أو حتى للتغرير بالغير أو السخرية منهم!
كثيرة هي الحكايات والطرائف التي ارتبطت باستخدام العلم استغلالًا سيئًا لأغراض كتلك. نستعرض فيما يلي بعض أشهر الأمثلة على الاحتيال والتضليل "باسم العلم".
الحجارة الزائفة lügensteine
عام 1726، نشر Johann Beringer من جامعة فورتسبورغ Würzburg تفاصيل أحافير وجدت خارج تلك المدينة البافارية. ثم نشر كتابا يتناول فيه تفسيره لتلك الأحافير. اتضح لاحقًا أن تلك الأحافير اختلقت ودفنت من باب الخديعة من قبل زملاء حاقدين. سعى Beringer جاهدًا لإعادة شراء ما بيع من كتابه مما أفقر الرجل وذهب بكل ماله! أصبحت اكتشافات Beringer معروفة باسم lügensteine، أو "الحجارة الكاذبة" أما الذين ارتكبوا الخديعة فقد فقدوا وظائفهم وسمعتهم بسبب الفضيحة.
آلة الحركة الدائمة The Perpetual Motion Machine
عام 1813 قام مخترع يدعى Charles Redheffer من ولاية فيلادلفيا الأمريكية بجمع مبالغ مالية كبيرة ليصنع بها آلة دائمة الحركة، ثم ذهب بها لاحقًا إلى New York حيث قام مئات الأشخاص بدفع دولار للفرد ليشاهدوها.
أثار الأمر حيرة بعض المشككين فعرضوا عليه مبلغًا من المال ليثبتوا له أن الآلة ليست حقيقية، فأخذ المال وبدأ المشككون يفحصون ويفككون بعض الألواح الخشبية حتى اهتدوا إلى حزام مصنوع من أمعاء القطط يمر خلال جدار إلى دور علوي حيث كان يجلس رجل عجوز يدير العجلة بيد ويمسك رغيف خبز باليد الأخرى!!
سكان القمر
في شهر أغسطس عام 1835 ظهرت عدة مقالات على الصفحة الأولى لصحيفة New York Sun تتناول سلسلة من الاكتشافات الفلكية المذهلة التي اكتشفها عالم الفلك الإنجليزي Sir John Herschel مستخدمًا تلسكوبًا ضخمًا فريدًا من نوعه.
قالت الصحيفة أن Herschel طور نظرية جديدة تفسر ظاهرة المذنبات، وأنه اكتشف وجود كواكب على نظم شمسية غير نظامنا الشمسي، وأنه حل تقريبا كل المشكلات الكبرى في علم الفلك الرياضي! ثم ذكرت الصحيفة أكثر اكتشافات هيرشل إثارة للدهشة، لقد اكتشف وجود حياة ذكية على القمر!
و صف هيرشل في اكتشافه الغابات والبحار الواسعة والأهرامات أرجوانية اللون على سطح القمر. كما وصف قطعان الثيران التي تجوب السهول على سطح القمر ووحيد القرن أزرق اللون الذي يعيش على قمم المرتفعات.
استمرت الصحيفة في نشر تلك الأعاجيب التي اتضح فيما بعد أنها مجرد أكاذيب حتى هيرشل نفسه لا يعلم عنها شيئا ولا هو اكتشف أيًّ شيء من تلك الأشياء.
تمثال كارديف العملاق The Cardiff Giant
عام 1869 اكتشف عمال يحفرون بئرا خلف بيت William Newell في مدينة Cardiff في ولاية New Yorkجثة متحجرة لرجل يبلغ طوله 10 أقدام ثم اتضح فيما بعد أن التمثال من صنع رجل ملحد اسمه George Hull، والذي قرر أن يصنع العملاق للتندر على الوزير الأُصُولي fundamentalist السيد Turk الذي يؤمن أن الكتاب المقدس أخبر عن عمالقة حقيقيين كانوا يجوبون الأرض من قديم الأزل.
من الحكايات الظريفة المرتبطة بهذا التمثال المزيف أن أحد الأشخاص P T Barnum عرض مبلغ 60000 دولارًا ليؤجر التمثال لمدة ثلاثة أشهر، ولما رفض صانع التمثال العرض، قام Barnum بصنع نسخة منه وعرضها للناس فاكتسبت شهرة فاقت الإصدار الأصلي، فقام مالك التمثال الأصلي المزيف بمقاضاة Barnum ولكن القاضي لم يحكم له بشيء قائلًا "طالما أن التمثال الأصلي لم يثبت بعد أنه حقيقي فمن حق Barnum أن يصنع تمثالا زائفًا خاصا به"!
إنسان بيلت داون
في عام 1912 وجدت أجزاء من جمجمة وعظام فك أعتقد أنها بقايا حفرية متحجرة لشكل مبكر للإنسان. أعطيت العينة رسميا اسمًا علميًّا لاتينيا (Eoanthropus Dawsoni) على اسم تشارلز داوسون الذي استخرجها. بعد أكثر من أربعين سنة وفي عام 1953 اُكْتُشِفَ أنها لم تكن سوى قطعة مركبة من عظم فك إنسان الغاب (orangutan) وجمجمة رجل معاصر وأن عمر أقدمهما لا يتجاوز 600 عام.
وتعد تلك أشهر خدعة علمية في التاريخ فقد أثارت نقاشًا غير مسبوق عن نظرية التطور كما أن العلماء لم يكتشفوا زيفها إلا بعد أربعين سنة!
توارث الصفات المكتسبة!
أثناء العشرينيات من القرن العشرين صمم عالم نمساوي اسمه Paul Kammerer تجربة ليثبت بها أن الكائن الحي حين يكتسب صفات غير موروثة فإنه قد يورثها إلى أبناءه، وهي النظرية المنسوبة إلى العالم الشهير لامارك Lamarck وتسمى بالوراثة اللاماركية Lamarckian inheritance. تضمنت التجربة نوعًا من الضفادع يسمى "الضفدعة المولدة" Midwife Toad. من المعلوم للعلماء أن معظم الضفادع تتزاوج في الماء مستغلة نتوءات حرشفية سوداء على أطرافها الخلفية تسمح لها بالإمساك ببعضها بعضا أثناء التزاوج، ولكن الضفادع المولدة تتزاوج على البر وليس في الماء وليس لديها تلك النتوءات. افترض Kammerer أن إجبار الضفادع المولدة على التزاوج في الماء سيجعلها تطور نفس النتوءات. ومن المثير للدهشة أن الأجيال التالية الناتجة من التزاوج أظهرت فعلا نتوءات على جسدها.
درست الضفادع الشهيرة واكتشف عام 1926 أن النتوءات السوداء لم تكن في الواقع إلا حبر تم حقنه في الأطراف الخلفية للضفادع. شعر Kammerer بالخزي وانتحر بعد أيام من الإنكار والإصرار أنه لم يفعل ذلك وأنه ربما فعله أحد مساعديه في المختبر!
قبائل تاساداي The Tasaday Tribe
عام 1971 اكتشف أحد وزراء الفلبين Manuel Elizalde قبيلة من قبائل العصر الحجري تعيش منعزلة على جزيرة Mindanao. أطلق على القبيلة اسم تاساداي، كانت تتكلم لغة غريبة وتستخدم أدوات من الحجارة وتظهر سمات العصر الحجري. انتشر خبر القبيلة في التلفزيون ووسائل الإعلام وظهرت صورة لأبناء القبيلة على غلاف مجلة ناشيونال جيوجرافيك وأصبحت موضوع أكثر الكتب مبيعًا. وحين حاول علماء الأنثروبولوجيا إلقاء نظرة فاحصة عن كثب أعلن Marcos رئيس الفلبين وقتئذ أن المنطقة محمية وحرم دخولها على أي كان.
بعد الإطاحة بماركوس قام صحفيان بزيارة الموقع المفترض ووجدوا أن تاساداي يعيشون في منازل ويقومون بالتجارة مع المزارعين المحليين ويرتدون الجينز والقمصان ويتحدثون باللغة المحلية المعاصرة. شرح أبناء التاساداي القصة فقالوا أنهم انتقلوا للحياة في الكهوف وتحدثوا بهذه اللغة نتيجة ضغوط مورست عليهم من قبل الوزير. هرب الوزير من الفلبين عام 1983 ومعه ملايين الدولارات التي نهبها من رصيد مؤسسة خيرية أنشأها خصيصا لحماية قبائل التاساداي!
المراجع
Comments